هذه هى مؤامرة كولن باول أو الشراكة الامريكية الشرق اوسطية

على رغم الكثير من التحفظات السياسية والإعلامية كانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي وجدت في مبادرة الشراكة الاميركية مأخذا لاعلان رفضها الغزو الجديد بالطرق الجديدة، بينما كانت آراء الاردن وقطر والكثير من الدول مؤيدة لما في المبادرة.
هذا الامر قالت عنه بعض الصحف الكثير من الاقاويل وخصوصا أن تلك المبررات التي ساقها وزير الخارجية الاميركي كولن باول لاطلاق مبادرة الشراكة الاميركية - الشرق اوسطية بدت وكأنها انسانية بحتة، حين تحدث عن الفقر، وفقدان الحرية، والبطالة، والمحاولة لسد فجوة الامل، بين التوقع والواقع في الشرق الاوسط. وعلى رغم وجاهة هذه المبررات - تقول صحيفة «الرأي» الاردنية - فإنها ليست نزيهة فهي تحمل اغراضا وأهدافا سياسية، اقل ما يقال عنها انها وسيلة من وسائل تحسين واشنطن لصورتها في منطقة الشرق الاوسط واعادة بناء مصالحها الاستراتيجية في المنطقة على اسس جديدة، فكون الادارة الاميركية وبعد عام وشهرين من 11 سبتمبر/ ايلول 2001 تدرك ان هذه الحوادث ناتجة عن جملة من الظروف والمكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها الدول العربية وان هذه كانت بصورة او بأخرى هي نتاج لتلك الظروف والمكونات، هو امر مهم للغاية وبداية فهم صحيح لكيفية صون مصالحها وصون مصالح الآخرين بصورة جديدة وعلى قاعدة (الشركة) وليس الاملاء او التبعية، فحديث باول عن رفض فكرة «ان الحرية لا تنمو في الشرق الاوسط» واشارته إلى وجود انظمة (مغلقة) ودعوته لتنمية الديمقراطية ودعم الحريات ومؤسساات المجتمع المدني والتعليم وتعظيم دور المرأة وتحسين الاداء الاقتصادي عبر تحريره والشراكة مع القطاع الخاص وزيادة الشفافية وتطوير القضاء وزيادة تحصينه، كل ذلك من شأنه ان يعيد انتاج المصالح الاميركية على قواعد جديدة لاتجد فيها واشنطن تناقضها بين مصالحها وبين مصالح القوى الفعالة في دول ومجتمعات العالم العربي.
ثمة جملة من الأسئلة التي تقفز إلى الذهن لدى التعرض لـ«مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية» التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) بعد طول انتظار. لعل أولها ما يتصل بالموازنة المرصودة للمبادرة الهادفة إلى تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية. ذلك أن 29 مليون دولار مخصصة لعشرين دولة عربية لا يمكن أن تفعل شيئاً ذا بال، اللهم إلا تجنيد عدد من الأتباع ممن يملكون القدرة على الترويج للسياسات الأمريكية، أي أنهم متعاونون تحت مسميات صحافي وكاتب ومدير مركز دراسات.

لسان حال هذه المبادرة وموازنتها يقول إن الأزمة كامنة في الذات، سواء أكانت تلك الأزمة اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية، وكل المطلوب هو قيام مبشرين مؤمنين بالنموذج الأمريكي بترويج هذه الفكرة عبر اقناع الشارع العربي الساخط على الولايات المتحدة بأن هذه الأخيرة لا صلة لها البتة بمشاكله التي عليه أن يبحث عن أسبابها داخل بلاده.

في مبادرته قدم لنا (باول) صورة سريعة عن أوضاعنا البائسة على الصعيد الاقتصادي، حيث «يقل الناتج القومي لـ260 مليون عربي عن الناتج لـ 40 مليون أسباني»، وحيث يعاني 14 مليون عربي من البطالة، فيما يتوقع انضمام 50 مليون آخرين إلى السوق المزدحم أصلاً خلال السنوات الثماني المقبلة. أما على الصعيد الديمقراطي فهي أكثر بؤساً، ذلك أن «الأنظمة السياسية المغلقة» قد ضيقت على الحريات وعلى مؤسسات المجتمع، ولم تمنح شعوبها أي قدر معقول من الديمقراطية.

هنا يطرح السؤال التالي، وهو: هل الولايات المتحدة بريئة من دم هذه الأوضاع البائسة في العالم العربي، أم أنها متورطة في صناعتها بشكل مباشر وغير مباشر؟ ألم تبد انحيازاً دائماً لخيار تغييب الديمقراطية في الوطن العربي خوفاً من إفرازها للأشد معارضة لسياساتها؟ ثم أليست الولايات المتحدة هي التي تحاصر الاقتصاديات العربية من خلال التلاعب بسوق النفط، وعبر الحيلولة دون إيجاد أي شكل من أشكال التكامل العربي الضروري لانجاز صناعة حقيقية متطورة؟ ثم ماذا عن استخدام المؤسسات الدولية (صندوق النقد، البنك الدولي، منظمة التجارة الحرة) في فرض مسارات اقتصادية تزيد الفقراء فقراً؟

هذه الأوضاع البائسة ذات صلة بالسياسات الأمريكية ولا يمكن لكل المبشرين والشطار والأذكياء أن يقلبوا الحقيقة في أعين الناس ويجعلوا من الولايات المتحدة دولة حريصة على رفاهنا الاقتصادي والديمقراطي أيضاً.

هذا البعد هو جزء أساسي من كراهية الشارع العربي للولايات المتحدة، بيد أن ثمة ما هو أكثر أهمية ووضوحاً من ذلك، ويتمثل في دعم وجود الكيان الصهيوني وقوته، ما ترك آثاراً واضحة على الأوضاع الاقتصادية والديمقراطية في آن معاً . . الأول بسبب نفقات التسليح وتكريس التجزئة، والثاني بسبب احتجاج كثير من الأنظمة بأولوية الصراع مع العدو.

التبني الكامل لسياسات الدولة العبرية واستهداف العراق والسودان ومختلف أشكال السياسات الأمريكية حيال العالم العربي والإسلامي هي الجانب الرئيس في صناعة مشاعر العداء للولايات المتحدة. وعلى هذا الصعيد جاءت كلمة (باول) لتزيد في تلك المشاعر، فعندما تعرض الرجل للقضية الفلسطينية قال إن «السلام يتطلب من الفلسطينيين قيادة جديدة ومختلفة ومؤسسات جديدة ونهاية للإرهاب والعنف». وذلك من دون أن يقول لنا بأية وسيلة ديمقراطية يمكن للشعب الفلسطيني أن ينتخب قيادته الجديدة القادرة على مطاردة المقاومة وإدارة الظهر لشعبها وأمتها. والحال أنه بأقواله تلك كان يصب الزيت على نار العداء، ويؤكد أن مبادرته ليست إلا محاولة ترويج بائسة لسياسات غير قابلة للترويج أبداً.

ما يمكن قوله هنا هو أن (باول) بطروحاته تلك لم يكن سوى وجه آخر لسياسات الصقور في الإدارة، أولئك الذين يرون الحل الأمني مساراً وحيداً في مطاردة ما يسمونه ظاهرة الإرهاب النابع، حسب رأيهم، من منطلقات دينية وفكرية. ذلك أن قول الوزير بأن الفقر ونقص الديمقراطية هي السبب في انتشار تلك الظاهرة هو تجاهل للسبب الحقيقي ممثلاً في سياسات الولايات المتحدة حيال الأمة العربية والإسلامية. وإذا لم تتغير تلك السياسات فإن مئات الملايين لن تحل المشكلة فضلاً عن 29 مليوناً فقط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جريدة العادل الالكترونية ليوم السبت 12 يناير 2013 للأخبار المتنوعة

محمود عبد الفتاح ضابط شرطة يلجا اليه كل الناس

آيات العرابى ....العميلة الامريكية وفضائح فى أمريكا وعداء للجيش والسيسى بصفة مستمرة